January 1992, 01

هذا آخر ما توصل له الطب في العقم

دكتور سمير عباس

يتم الزواج .. وتمر الايام .. ولم يحدث الحمل و بشغف ولهفة يسرع الزوجان لزيارة الطبيب .. وبعد إجراء الفحوصات والتحاليل .. يؤكد مسئولية الزوجة عن عدم الإنجاب .. احساس مرير وصدمة شديدة تصيب الزوجة .. وتبدأ رحلة العلاج .. تنتقل من طبيب لآخر .. ولكن الكل يؤكد أن عملية أطفال الأنابيب هي الحل الوحيد وتزداد الحيرة .. وينبت سؤال هام متى يصبح اللجوء إلى طفل الأنابيب العلاج الوحيد الناجح أمام المرأة التي لا تنجب ؟

وما هي ضمانات نجاحها ؟ وإذا فشلت – لا قدر الله – هل يمكن إجراؤها أكثر من مرة ؟

تساؤلات أخرى تدور حول العقم .. وأحدث ما وصل إليه العلم في هذا المجال .. ربما نفتح باباً جديداً لمن تتطلع للانجاب نتعرف عليه من خلال سطور حوارنا مع د. سمير عباس رئيس مركز العقم والإخصاب وأطفال الأنابيب بمستشفى د. بخش بجدة.

  • لماذا لم يحدث الحمل ؟ .. سؤال يقف أمامه الطبيب طويلاً .. لأن أسباب العقم عند المرأة كثيرة .. ولكن ما هي أكثر هذه الأسباب شيوعاً ؟ وكيف يتم علاجها؟

العقم قد يرجع إلى تشوهات خلقية أي تولد بها المرأة .. وتؤثر أساساً على عنق الرحم و المبايض وقنوات فالوب .. بعض النساء يولدن بدون رحم على الاطلاق .. أو برحم بداخله حاجز كبير .. والبعض منهن يولد بدون قنوات فالوب .. أو بدون مبايض.

وهناك أسباب أخرى ويه الالتهابات الجنسية مثل السيلان والزهري والكلاميديا .. وكثير من الأمراض الأخرى الجنسية التي تؤدي لالتهابات شديدة في قنوات فالوب .. أو الالتهابات غير الجنسية مثل السل أو الدرن .. الذي يؤدي إلى انسداد قنوات فالوب أو وجود التصاقات حولها .. أو الاصابة بالبلهارسيا والتي تسبب نفس الأشياء .. بالاضافة الى الالتهابات التي تنتج من وجود اللولب داخل الرحم.

تعدد التكيسات

ومن الأمور الهامة التي تمنع الإنجاب أيضاً وجود اضطراب في هرمونات المخ أو الغدة النخامية أو الدرقية أو المبايض .. وأكثرها شيوعاً وجود حالة تعاني منها الكثيرات تعرف باسم تعدد التكيسات وفيها ينتج المبيض مجموعة من البويضات كلها لا تصل مطلقاً إلى درجة النمو الكامل والنضج .. أي غير مكتملة النمو وبالتالي لا يحدث الحمل كما أنها تسبب اعراضاً أخرى مثل زيادة الوزن وتأخر كبير في الدورة الشهرية وظهور شعر كثير في الجسم وهناك أسباب اخرى مثل وجود الغشاء المبطن لجدار الرحم خارج مكانه أي داخل البطن مما يؤدي إلى التصاقات شديدة وهذه حالة تدعى اندومتريوزيس أو ينتج عن وجود أورام ليفية داخل الرحم .. أو حدوث حمل خارج الرحم (في قنوات فالوب) يؤدي إلى استئصال قنوات فالوب .. بعدها تصاب المرأة بالعقم كامل.

جراحات تجميلية

أما العلاج فيختلف من حالة لأخرى .. فإذا كانت هناك التهابات بسيطة يمكن علاجها بإعطاء المريضة بعض المضادات الحيوية .. وبالنسبة لوجود غشاء مبطن للرحم فيمكن عمل كي عن طريق المنظار ولا تحتاج المريضة إلى البقاء في المستشفى إلا ساعات معدودة ثم تعطى بعض العقاقير أو الحبوب بشكل دوري لمدة تتراوح ما بين ستة الى تسعة اشهر .. أما في حالة اضطراب الهرمونات فتعطى الهرمونات اللازمة لعلاجها.

أما إذا كان سبب العقم وجود تشوه في الجهاز التناسلي فيمكن إجراء بعض الجراحات التجميلية لإعادته إلى شكله وحجمه الطبيعي .. وبالنسبة لتعدد التكيسات .. كان شائعاً في الماضي إجراء جراحة لاستئصال جزء من المبايض .. مما يتسبب في وجود التصاقات شديدة داخل البطن يصعب بعدها حدوث حمل .. وقد توقف جميع الأطباء عن عمل هذه الجراحة لأن ضررها أكثر من نفعها .. حيث تعالج الآن بإعطاء عقاقير او اجراء جراحة بسيطة عن طريق منظار البطن حيث تبقى المريضة لمدة ساعات محدودة بالمستشفى فقط يعودها بعدها المبيض للعمل بشكل طبيعي مثل أي أجزاء أخرى وتعود معها خصوبتها كذلك ، وبالنسبة للأورام الليفية يتم استئصالها جراحياً أو استعمال بعض العقاقير الحديثة والتي تعطى كإبرة تحت الجلد مرة شهرياً تنكمش بعدها الأورام الليفية إلى حجم صغير للغاية.

فشل محاولات الانجاب

  • أثناء رحلة علاج العقم .. متى يصبح اللجوء إلى أطفال الأنابيب السبيل الوحيد للانجاب أمام المرأة العقيم ؟

أنا تصوري  إذا ثبت في أي مرحلة من مراحل العلاج ..حتى لو بعد أسابيع قليلة من الزواج أن قنوات فالوب مسدودة تماماً .. فإن العلاج الوحيد الناجح هو عملية أطفال الأنابيب .. هناك طبعاً بعض الجراحات التي تجرى لفك الالتصاقات في قنوات فالوب ولكن نسبة نجاحها أقل بكثير من أطفال الأنابيب  إلا في بعض الحالات.

وكذلك إذا فشلت محاولات الزوجين للانجاب بعد فترة طويلة من الزواج واتضح أن السبب يرجع إلى اضطراب بالهرمونات عند الزوجة .. أو ضعف شديد في حركة الحيوانات المنوية وعددها عند الزوج أو بسبب وجود أجسام مضادة لدى الزوجين يجب عمل أطفال الأنابيب.

  • هل هناك شروط أو مواصفات معينة لابد من توافرها في المرأة المقبلة على إجراء عملية أطفال الأنابيب ؟

أولاً يجب أن يكون جهازها التناسلي الداخلي طبيعي .. أي لديها رحم جيد الحجم .. وقابل لاستقبال الجنين .. ومبايض تنتج بويضات ذات نوعية جيدة .. ويفضل أن يكون سنها أقل من الأربعين .. حتى نضمن نسبة نجاح أعلى .. ووزنها مقبولاً لأن زيادته تسبب مضاعفات وصعوبات خلال العملية .. ويقلل فرص نجاحها .. وأن يكون لدى الزوج عدد مقبول من الحيوانات المنوية ذات حركة جيدة .. 

مشيئة الله  أولاً

  • نسبة نجاح أطفال الأنابيب في العالم مازالت تتراوح ما بين 10 إلى 15% في رأيكم ما هي أهم ضمانات زيادة نسبة نجاحها .. وما هي أسباب فشل الكثير منها ؟

أهم ضمانات نجاحها سن الزوجة والزوج ومدى استجابة المرأة للعقاقير التي تعطى لها .. إنتاج المبايض للبويضات ذات نوعية جيدة .. ووجود عقاقير خاصة تساعدها على ذلك .. وتوافر قسم أشعة جيد لمتابعة البويضات داخل المبايض .. ومختبر ناجح ومميز لأخذ البويضات ويتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال.

ولاشك أن حالة الزوج أو الزوجة تمثل السبب الرئيسي للنجاح أو الفشل .. لأنه في أحيان كثيرة تمر جميع مراحل العملية ولكن يرفض الرحم الاحتفاظ بالأجنة .. ولأسباب بعضها معروف وبعضها غير معروف ولكن تبقى دائماً مشيئة الله هي الأهم من كل شيء .. فهناك حالات تنجح وأخرى تفشل حسب ما جاء في قوله سبحانه وتعالى :"ويجعل من يشاء عقيما" ، وتعني ببساطة أن الإنسان يجب أن يسعى .. وما دور الطبيب إلا واسطة لتنفيذ مشيئة الله سبحانه وتعالى.

ولكن هناك أسباب واضحة لفشل الكثير منها مثل الضعف الشديد في نطقة وحركة الحيوانات المنوية لدى الزوج .. عدم التبويض أو إنتاج بويضات ذات نوعية سيئة .. أو وجود أورام أو التهابات داخل الرحم .. أو أجسام مضادة تقتل الأجنة .. وعدم توفر أخصائي مختبر أطفال أنابيب ذو خبرة ودراية كافية .. والأهم من ذلك كله وجود طبيب مسلم يشرف على المراكز لضمان عدم خلط الأنساب والإشراف على العملية بحيث تتم في ضوء مقررات المجمع الفقهي وفي إطار الإلتزام بتعاليم الشريعة الاسلامية.

الحد الأدنى

  • هل تنجح المرأة التي أجريت لها عملية أطفال الأنابيب وباءت بالفشل أن تعاود التجربة مرة أخرى ؟

نعم انصحها بإجراءات حتى ثلاث مرات على الأقل .. ففي كثير من الحالات لا تنجح بعد المرة الأولى أو الثانية .. ولكنها تنجح في الثالثة .. وأكبر مثال على ذلك أن  إحدى النساء الانجليزيات أجرتها 11 مرة .. حتى أراد الله لها وحملت لأن العملية الأولى يتم فيها عادة التعرف على مدى استجابة المرأة لانتاج البويضات .. وإمكانية الحيوانات المنوية للزوج في تخصيب البويضة .. وفي المرة الثانية يزيد احتمال نجاحها بتفادي كل أسباب الفشل في العملية الأولى .. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن بإجرائها ثلاث مرات يتم الحمل .. ولكن العالم كله وضع هذا العدد كحد أدنى لإجراء محاولة أطفال الأنابيب.

على أن تتم العملية أساساً بعد إجراء فحوصات كاملة للزوجين .. والتي تظهر مدى إمكانية نجاح العملية .. بحيث لا يقدم عليها إلات من عندهم فرصة طيبة في الحمل .. وفي حالة ظهور عوامل فشل بعد إجراء الفحوصات الأولية تعطى الزوجة أو الزوج بعض العلاجات .. ويعاد متابعتهم بعد ثلاثة أو ستة أشهر ، حتى تظهر بوادر نجاح مقبولة قبل إجراء العملية .. وهنا يأتي دور الطبيب المعالج.

تأجير الأرحام

  • هل هناك حالات عقم عند المرأة عجز الطب عن علاجها حتى الآن ؟

طبعاً إذا لم يكن عندها مبايض .. أي تكون غير قادرة على انتاج بويضات لا يمكن عمل أي شيء لحدوث الحمل .. أو استئصلت الرحم بسبب أو ولدت أصلاً برحم صغير أو مشوه او بدون رحم نهائياً في هذه الحالات تلتزم بتعاليم المجمع الفقهي ولا نتدخل .. ولكن في الخارج استطاعوا الحصول على بويضات من المرأة وتلقيحها بالحيوانات المنوية لزوجها ثم إعادة زراعتها بامرأة ثانية .. فيما يطلق عليه تأجير الأرحام .. وهي في الواقع نوع من التجارة تقوم به كثير من النساء.

ومن حالات العقم التي عجز الطب عن علاجها أيضاً عدم وجود حيوانات منوية عند الرجل نهائياً .

تقبل الرحم للحمل

  • ما هو أحدث ما وصل إليه العلم في مجال علاج عقم المرأة ؟

هناك الكثير في هذا المجال .. مثل استعمال الوسائل الحديثة لحقن البويضات المخصبة أو الأجنة في حضانات التبريد إلى فترات طويلة .. بحيث لا تتعرض المرأة كل مرة الى إجراء عمليات .. ولكن يكتفي بعملية واحدة ثم يعاد استعمال الأجنة في مرات مختلفة .. دون أي تأثير على نوعية الأجنة ، كذلك هناك تقنية فصل السائل المنوي لتحديد نوع جنس الجنين بنسبة حوالي ثمانون بالمائة وآخر حالة لدينا سيدة لديها ستة بنات وتم علاجها لدينا وأنجبت 3 توائم ذكور وأنثى .

وهناك أيضاً تقنية استعمال أجهزة حقن الحيوانات المنوية للرجل إلى داخل البويضة وهو ما يطلق عليه التخصيب المجهري أو SUZI اما عن طريق الليزر .. أو بعمل ثقب صغير في جدار البويضة .. أو بحقن الحيوان المنوي خلف الجدار الخارجي للبويضة .

بالإضافة إلى ذلك هناك تقنية حديثة هي اضافة بعض المواد كالحيوانات المنوية لزيادة حركتها ونشاطها بشكل كبير .. وعلى الجانب الآخر اضافة بعض العقاقير إلى بويضات المرأة بحيث تصبح قابلة وبشكل أفضل لاستقبال الحيوانات .. وتسهل الطريق للدخول إلى النواة عن طريق تذويب جزء من الجدار الخارجي السميك للبويضة وكذلك تجرى الآن عملية اطفال الانابيب عن طريق الاشعة العمرية المهبلية مما لا يستدعي بقاء المريض بالمستشفى إلا بضع ساعات قليلة.

كما استحدثت عقاقير لزيادة قابلية الرحم لاستقبال الحمل .. لأننا نعلم كما ذكرنا أن واحدة من الأسباب الرئيسية لفشل عملية اطفال الانابيب هو أن الرحم لا يتقبل الاجنة التي توضع فيه لأسباب كثيرة منها عدم توافر بروتينات كثيرة تفرز بداخل الرحم وقنوات فالوب عند بعض النساء وتم استحداث هذه البروتينات بالاضافة الى بعض المواد الكيميائية واعطائها لكثير من السيدات وبعدها صار الرحم عندهن أكثر تقبلاً للحمل من ذي قبل.

كذلك هناك تقنية إنقاص عدد الاجنة بالرحم للسيدات الحوامل في أكثر من 3 اجنة لزيادة فرصة تحمل الرحم للحمل ومنع الولادة او الاجهاض المبكر وهذا يريح النفس أن كل الوسائل التي ذكرتها متوفرة محلياً وتحقق نسبة نجاح عالية مشابهة للنسب المتوفرة في أفضل الأماكن بالعالم بسعر أقل مما هو عليه بالخارج بسبب فرض الضرائب وتكلفة العلاج المرتفعة بالخارج واخيراً وأهمها الاشراف بإجرائها بدون اي خلط في الانساب وبنفس المعايير الاسلامية والأخلاقية التي وضعتها لجنة المجمع الفقهي الإسلامي والتي يدعي لجلساتها الدكتور سمير عباس.

author avatar
administrator