March 1994, 01

بعد ستة وعشرون سنة أنجبت سميرة!

"انسوا الموضوع … مفيش فايدة … مش حنقدر نعمل لكم أي حاجة"

دكتور سمير عباس

طوال 25 سنة تسمع الزوجة وزوجها إبراهيم هذه الكلمات من كل الأطباء الذين ترددوا عليهم سواء في السعودية أو خارجها بعدها يتجدد الألم ويفيض الحزن لدى الزوجة
وإبراهيم .. ولم تطلب الزوجة الانفصال عن إبراهيم ولم يلجأ ابراهيم إلى الزواج من أخرى أو تطليق زوجته ، اتفقا على مواصلة المشوار حتى نهايته ، رغم أن الزوجة قد تجاوزت الأربعين ، وإبراهيم قد تجاوز الخمسين.

ولكن الهدف واحد والحب أقوى بين الزوجة التي تحن إلى الأمومة وبين إبراهيم الذي لم يقطع أمله بالله ليسمع كلمة بابا.

وأشار بعض الأقارب على الزوجة وإبراهيم أن يتركا أبها ويذهبا إلى جدة للعلاج بعد اعياهما الحبل وداخل السبع دوخات لتحقق الزوجة أمومتها ويصبح إبراهيم أباً.

 


 

وتحقق الحلم المستحيل

وبدأ الحكاية دخل مركز علاج العقم والإخصاب الملحق بمستشفى الدكتور بخش بجدة الذي يشرف عليه د. سمير عباس استشاري النساء والتوليد ورائد علاج العقم وأطفال الأنابيب السعودي وكانت مشيئة الله التي سخرت تقنية العصر بأيدي طبيب ماهر لتنجب الزوجة “سميرة” ويصبح الحلم حقيقة ويتحول الأمل إلى واقع يوم الجمعة 28 مايو 1993م 7 من ذي الحجة 1413هـ ويسمع ابراهيم بكاء طفلته والدموع تنهمر من عينيه فرحاً وكل حواسه تردد الحمد لله.

وتزور “كل الناس” المستشفى وتلتقي الدكتور سمير عباس الذي يحدثنا عن هذه الحالة قائلاً:

مشكلة المريضة أنها تزوجت منذ حوالي 25 سنة وخلال تلك الفترة لم تحمل اطلاقاً سواء حملاً كاملاً أو غير كامل اجهاضا.

وظلت خلال الـ 25 سنة تترد على كل الأطباء في مدينة أبها “جنوب السعودية” ثم لدى بعض الأطباء في مدينتي جدة والرياض بمستشفى التخصصي ثم بعد ذلك توجهت خارج المملكة مرة حيث أجريت لها بعض الفحوصات وأخذت بعض العلاج ولكن للأسف لم تكلل بالنجاح.

ومن خلال الفحوصات التي أجرت اتضح أن المشكلة كانت لدى الزوج حيث كان يعاني من ضعف شديد بالنطفة وعدد الحيوانات المنوية وحركتها وقد تلقى كثيراً من العلاج وأجريت له احدى المحاولات العلاجية سابقاً بأحد مراكز العقم بمدينة جدة ولكن للأسف لم تكلل بالنجاح ، مع هذا الوضع أصيب الزوجان باليأس وكادا أن يتخلوا تماماً عن فكرة الإنجاب خاصة بعد مرور ما يقرب الربع قرن.

ويوضح د. سمير أن علاج هذه الحالات يكون صعباً للغاية لأسباب كثيرة فالزوج منذ 25 سنة يعاني من ضعف في المنطقة ومن المعروف أن الحيوانات المنوية لدى كل الرجال الطبيعيين والمرضى على السواء ينخفض عددها وحركتها تدريجياً مع التقدم في السن ولكن لدى المرضى يكون هبوط عدد وحركة الحيوانات وارتفاع نسبة الحيوانات المنوية المشوهة بها أكثر وأكبر منها لدى الأشخاص الطبيعيين.

ولنا أن نتصور إذا كان الزوج منذ 25 سنة يعاني من هذه المشكلة ، فكيف أصبحت بعد 25 سنة من اكتشافها بالاضافة إلى ذلك إنه مع تقدم السن تظهر لدى الإنسان أمراض كثيرة مثل السكر والضغط وارتفاع نسبة الكوليسترول وضعف نشاط الكبد والكليتين وحالات مرضية أخرى كلها تؤثر سلباً على عدد الحيوانات المنوية وقدرتها على الإنجاب.

كذلك بالنسبة للمرأة نجد أن قدرتها على الحمل تكون على أشدها في الفترة ما بين 20 إلى 30 سنة حيث تكون كفاءة المبيضين على العمل بشكل جيد وانتاج بويضات ذات نوعية جيدة وتنخفض كثيراً بعد سن الـ 30 ثم تقل قدرة المرأة عن الحمل بشدة بعد سن الأربعين لعوامل كثيرة أهمها أن قدرة المبيضين على انتاج بويضات جيدة تقل كثيراً بعد سن الأربعين كما تقل قدرة الرحم على تقبل الحمل بشكل جيد.

ليس هذا فقط ولكن مع تقدم العمر بالنسبة للمرأة وعدم حدوث حمل لها تظهر لديها أمراض أخرى مصاحبة مثل نمو الأورام الليفية بالرحم وظهور غشاء بطانة الرحم المهاجر والذي يسبب بقعاً دموية مصاحبة بالتهابات شديدة وآلاماً كبيرة داخل تجويف البطن خاصة مع قدوم الدورة كل شهر.

حالة معقدة

ومن هنا نجد أن الحالة لدى الزوجين بدأت معقدة ولكن الإيمان بالله وقدرته على إحداث الحمل حينما يحين الأوان وكذلك إيمان الطبيب بالله و امكانياته بعد ذلك اضافة إلى التقنية العلمية المتوافرة كل هذا فتح لنا أبواب الأمل من جديد.

وحضر الزوجان بالمستشفى منذ ما يقارب سنة وتم اجراء كل الفحوصات اللازمة لهما وتم إعطاء الزوج بعض العقاقير الطبية لمدة 3 شهور لتحسين حالة الحيوانات المنوية لديه حيث كانت أقل من 100 ألف بينما متوسطها لدى أي شخص في حدود السبعين مليوناً في السنتيمتر المكعب.

وبعد إعادة إجراء فحوصات الزوج وجد أن التحسن كان ضئيلاً للغاية فتم إعطاء الزوجة بعض العقاقير لتحضيرها لاجراء عملية أطفال الأنابيب وحدث أن حملت المريضة منذ المرة الأولى وعادت إلى مدينتها لمتابعة الحمل لدى أحد الأطباء المحليين لديها.

ولكن شاءت الأقدار ويشاء الله أن يستمر هذا الحمل فقط لمدة شهرين وينتهي ولنا أن نتصور الحالة النفسية للمريضة التي انتظرت هذا الحمل حوالي 25 سنة انتهى بالاجهاض طبعاً حزنها ولوعتها على فقدان هذا الحمل تفوق مئات المرات حزنها عن عدم حدوث الحمل لديها خلال الـ 25 سنة السابقة.

قدرة الله

ويستطرد د. سمير مبتسماً:

ومع ذلك لم تيأس من رحمة الله وقدرته ونعاود للمرة الثانية تحضير المريضة باعطائها العلاج لإجراء عملية أطفال الأنابيب مع مداومة علاج الزوج ولكن ينتهي الأمر بحدوث حمل على الإطلاق في المرة الثانية ولنا أن نتصور خيبة الأمل الكبرى لدى الزوجين لدرجة أن فكرة عدم متابعة العلاج ونهاية كل الآمال قد راودتهم كثيراً.

ورغم كل ذلك يولد الفشل لديهم رغبة قوية وعارمة في متابعة العلاج.

والآن بالنسبة للشق الأول من السؤال أقول: أن بعض المرضى يعانون من عدم وجود حيوانات منوية في السائل المنوي أو في البربخ أو في الخصية ، وباختصار ليس لديهم أي حيامن على الاطلاق ، وهنا نستعيض عن الحيوانات المنوية بأخذ خلايا من الخصية وهي خلايا لا تشبه الحيوانات المنوية بأي شكل ، بل هي أقرب إلى شكل كرات الدم الموجودة عند المريض ، أي مستديرة الشكل كالكرة وقد بدأنا منذ سنتين باجراء التجارب على أخذ الخلايا ومحاولة تنشيطها وتنميتها في المختبر لبعض الوقت مع اضافة بعض المواد الكيميائية لابقائها على قيد الحياة ثم حقنها داخل السيتوبلازم في بويضات المرأة ، وبما أننا لا نعلم عن مدى حياة هذه الخلية من عدمه لأنها لا تتحرك وليس شكلها كالحيوان المنوي فإننا تمكنا من اختراع تقنية خاصة بنا تمكننا من اكتشاف وسيلة لتشخيص حياة الخلايا من موتها وبعد عدة محاولات حققنا نجاحاً كبيراً وحملت بهذه الوسيلة ثلاث سيدات أزواجهن كانوا يعانون من عدم وجود أي خلايا منوية لديهم وللأسف اجهضت احداهن في الشهر الخامس وهذه المرأة قد أكرمها الله وانجبت بتاريخ 14 سبتمبر(أيلول) وقد حضرت “سيدتي” ولادة الطفل والعملية الجراحية واطمأنت “سيدتي” بنفسها على سلامة الطفل وأمه وشاهدت فرحة الأب الذي اغرقت دموع الفرح وجهه.

  • هل يعتبر هذا الحدث انجازاً قادراً على حل كافة مشاكل العقم ؟
    بالطبع يجب أن لا ننسى الآية الكريمة “لله ملك السموات والأرض ، يخلق ما يشاء ، يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ، ويجعل من يشاء عقيما ، إنه عليم قدير” ، وهذه الآية تؤكد أن هناك بعض الأزواج سيبقون دائماً عقيمين ، وهذا الكلام ينطبق فقط حتى يومنا هذا على المسلمين ، لأن في خارج العالم الإسلامي ليس هناك امرأة يمكن أن يطلق عليها عاقر أو رجل عاقر وذلك بسبب ممارسات غير أخلاقية فأي امرأة ليس لديها بويضات تستطيع أن تحصل عليها من بنوك البويضات ، ويتم تخصيبها بحيامن زوجها وتزرع في رحمها وتنجب ، وأي امرأة ليس لديها رحم ممكن تأخذ بويضات منها وحيوانات منوية من زوجها وتخصيبها ووضعها في رحم امرأة أخرى ، وهو ما يطلق عليه عمليات تأجير الرحم “الظئر”.كذلك ليس هناك رجل في الخارج عقيم لأنه ليس لديه حيوانات منوية ، لأنه بالإمكان أخذ حيوانات منوية من بنوك المني تخصيب بويضات زوجته بها ، بينما نحن نتحرك داخل اطار القرآن الكريم والشريعة الاسلامية وما يقره المجمع الفقهي لضمان منع اختلاط الأنساب ، ولا نوافق على الحالات التي يمكنها المجمع الفقهي وعلى ضوء ذلك استطيع التأكيد أن هذه الوسيلة ليست الحل لجميع حالات العقم لكن بلاشك أننا استطعنا بهذه الوسيلة حل مشاكل أكثر من 95% من كل حالات عقم الرجال في العالم.
  • ما المعنى الحقيقي لولادة طفل من غير حيوان منوي ؟
    يعني تحديداً أن العلم تطور وفرض نفسه في تقنية أطفال الأنابيب لخدمة البشرية ونحن لا نعلم ولا نستطيع حصر عدد الزيجات التي انتهت بالانفصال وكان السبب الوحيد لذلك عدم الانجاب ، لأن انجاب الزوجين لأطفال من صلبهم يعني بكل بساطة  استمرار الحياة الزوجية واستقرارها ومساعدة الأزواج على الإنجاب من صلبهم يعتبر في حد ذاته انجازاً كبيراً للعلم ، ويجب أن نحمد الله على ما علمنا وعن نفسي أحمد الله الذي هيأ لي لأن أكون في مكاني لخدمة أبناء الوطن ورد بعض الدين له وللحكومة التي ابتعثتني لدراسة الطب سواء حين حصلت على البكالوريوس او الماجستير أو الزمالة من بريطانيا.
  • أخذ جزء من خلايا الخصية وتلقيح البويضة بها هل هو نوع من الاستنساخ سمح به الشرع ؟
    طبعاً لا لأن الاستنساخ في أبسط صوره هو أخذ خلية أنثى ووضعها في بويضة من أنثى أخرى ثم تنجب الأم طفلة شبيهة لها 100% في الشكل الخارجي ولكن ليس في القدرات أو في الهوايات أو في الطباع ومن هنا يتضح أن هذه الوسيلة للانجاب ليست استنساخاً حيث أن الطفل الذي ولد كما رأته “سيدتي” هو ذكر ويحمل صفات الأب والأم وليس نسخة مكررة من أي منهما علماً بأن العالم يجري وراء تقنية الاستنساخ بسرعة كبيرة ورغم أن الحكومة الأمريكية أوقفت التمويل لاجراء هذه التقنيات إلا أن الهيئات الأخرى في العالم تدفع مبالغ كبيرة جداً لدعم ذلك ، لأن هذا سيكون له فوائد جمة على البشرية حيث يمكن الآن استخدام تقنيات الهندسة الوراثية وتقنيات أخرى كثيرة لحل مشاكل كثيرة مثل نقص الأعضاء القابلة للزراعة كالقلب والرئة والكلى ويكفي أن نرى عدد المرضى المعذبين في العالم.
  • ما نسبة نجاح مثل هذه العملية وكم تكلفتها مادياً؟
    تكلفة الحقن المجهري لبويضات الزوجة أحد عشر ألف ريال وتكلفة أخذ الخلايا من خصية الزوج ستة آلاف ريال أي إجمالي تكلفة عملية الزوج والزوجة سبعة عشر ألف ريال سعودي ، علماً بأن التكلفة في الخارج حوالي خمسة وعشرين ألف دولار وهذا يوضح الفرق الشاسع.
  • هل يستطيع هذا الانجاز الطبي تحديد عدد ونوع الجنين والكشف المبكر إذا ما كان هناك أي أمراض وراثية ؟
    نعم هناك تقنيات كبيرة في هذا المجال وكلها متوفرة لكن نحن بالنسبة لمثل هذه الحالات نفضل عدم تحديد النوع حيث أن كل ما نطمح إليه هو إنجاب أجنة سليمة وبالنسبة للكشف المبكر إذا كان هناك أمراض وراثية بالفحوصات تجري بنجاح كبير وتشخص أغلب الأمراض الوراثية.

 

author avatar
administrator