August 2023 , 09

الحمل و الولادة مع التلقيح المجهري

د.أماني شلتوت

 

التغلب على العقبات التي تعترض حدوث الحمل بصورة طبيعية هو الهدف من إجراء عملية التلقيح المجهري ، ولذلك تقوم مراكز المساعدة على الإنجاب بإستخدام هذه التقنية وذلك بإختيار حيوان منوي واحد يستخدم لتلقيح البويضة ، وتوضع هذه البويضة الملقحة في حضانات خاصة لمدة محددة ، بعدها يتم إرجاع هذه البويضة بعد الإنقسام إلى الرحم .. هذه ببساطة تقنية التلقيح المجهري الحديثة ، والأحدث الآن - في أنه يمكن عمل ترجيح لجنس الجنين ، كما يمكن التخلص من الكثير من الأمراض الوراثية التي يحملها كلا من الأب و الأم ، ومن ثم ولادة طفل لا يحمل الجينات المسببة لهذا المرض .

 

وهناك بعض الأسئلة المتعلقة بالتلقيح المجهري تطرح نفسها على ذهن كل زوج و زوجة - عن كيفية وماهية التلقيح المجهري ، وهل نسبة الحمل بالتلقيح المجهري أعلى من نسبة الحمل بالطرق الطبيعية ؟! هل يوجد إختلاف بين الحمل الطبيعي و الحمل من خلال التلقيح المجهري ؟! هل يمكن اختيار أو تحديد جنس المولود ؟! هل نسبة حدوث تشوهات تزيد مع أطفال الأنابيب ؟! هل نسبة الحمل في توائم تزيد مع أطفال الأنابيب ؟! هل تختلف طرق متابعة الحمل بأطفال الأنابيب ؟! هل الولادة لابد أن تكون ولادة قيصرية ؟! هل يمكن ولادة طفل خال من الأمراض الوراثية التي يحملها كلا من الزوج و الزوجة ؟! 

وهذه أمثلة فقط على بعض الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن كل امرأة تبحث عن الإنجاب و تتخذ من التلقيح المجهري وسيلة لتصبح أماً .

 

و بالطبع فإن نسبة الحمل بالتلقيح المجهري أعلي من نسبة حدوث الحمل بالطرق الطبيعية في حالات تأخر الحمل ؛ حيث أن التلقيح المجهري يتغلب على قلة عدد الحيوانات المنوية وضعفها ، كما تستخدم هذه التقنية أيضا للتغلب على التصاقات الحوض وانسداد الانابيب وضعف القدرة على التبويض ، وبمعنى آخر تستخدم هذه التقنية للتغلب على عدم قدرة كل من الرجل والمرأة على الإنجاب بالطرق الطبيعية .

 

أما بالنسبة لمتابعة الحمل بالطرق الطبيعية – فإنه لا يختلف كثيرا عن متابعة الحمل بالتلقيح المجهري ، ولكن الاختلاف يكون في أهمية هذا الحمل بالنسبة للزوجين ، حيث أن التلقيح المجهري عادة ما يستخدم بعد فترة عقم طويلة نسبيا ، ومن هنا تكمن أهمية الحمل وأهمية الجنين ، وتتم متابعة الحمل بنفس الوسائل المساعدة من حيث المتابعة بالموجات فوق الصوتية ؛ لمعرفة وضع الجنين وإستقرار الحمل و خلافه .

 

وعند حدوث الحمل بالشكل الطبيعي - فإنه يتم تلقيح البويضة بالحيوان المنوي ذاتيا ، وبذلك لا يكون هناك تدخل في نوع الجنين ، ولا يتم ترجيح جنس – ذكر أو أنثى - على حساب الآخر ، وخصوصا فى حالات الرغبة فى تفادى بعض الأمراض المتعلقة بجنس الجنين كما فى مرض الهيموفيليا (الإضطراب النزيفي) ، وكذلك كمحاولة لتحقيق توازن بالأسرة ، ولكن الحمل عن طريق التلقيح المجهري – في بعض المراكز الرائدة في هذا المجال – فإنه يمكن معرفة جنس الجنين ، وذلك بعد تلقيح أكثر من بويضة وحفظ البويضات الملقحة داخل الحضانات  الخاصة ، وبعد حدوث الإنقسام يتم سحب خلية واحدة من كل جنين لمعرفة جنسه ، كما أن التقنية ذاتها يتم إستخدامها لمعرفة هل الجنين يحمل جينات بعض الأمراض الوراثية مثل أنيميا الخلايا المنجلية أو الثلاسيميا ، ويتم إرجاع الجنين الذي لا يحتوي على جينات وراثية ، وبذلك يتم تنقية النسل الجديد من الأمراض الوراثية الموجودة بالعائلة أو من كثير من التشوهات الجنينية .

 

و في السابق - كان الحمل بالتلقيح المجهري ينتج عنه ولادة عدة توائم (أكثر من ثلاثة توائم) ، وذلك بسبب محاولة الأطباء التغلب على حالات الإجهاض التي تحدث بعد إرجاع البويضات أو الأجنة نتيجة لأسباب غير معلومة - منها على سبيل المثال التشوهات الموجودة بالحيوانات المنوية الخاصة بالزوج ، بحيث يتم إرجاع 4 أجنة أو أكثر داخل الرحم و في حالة حدوث إجهاض لجنين أو أكثر تبقى الأجنة الأخرى ويكتمل الحمل ، و لذلك ارتفعت في بعض الأحيان نسبة الحمل بثلاثة توائم أو أربعة ، ولكن الآن مع التقنيات الحديثة ووجود التليسكوب المجهري الحديث – والذي يكبر الحيوان المنوي آلاف المرات – فيمكن أطباءنا من اكتشاف العيوب الموجودة في الحيوانات المنوية ، والتي لم تكن تظهر بإستخدام طرق التكبير المستخدمة في مختبرات أطفال الأنابيب الأخرى أو أجهزة الفحص السابقة - حيث يتم إختيار أفضل الحيوانات المنوية وبالتبعية تحسنت جودة الأجنة التي يتم إرجاعها للرحم بأقصى قدر ممكن بالنسبة للزوجين .

 

منذ بداية الثمانينات و مع بدايات التلقيح المجهري وبعد ولادة أول طفلة بإستخدام تقنية التلقيح المجهري - ظهرت بوادر أمل للأزواج الغير قادرين على الإنجاب بالطرق العادية ، وفي السنوات الأخيرة تقدم العلم و ظهرت بوادر أمل أخرى للرجال خاصة الذين يعانون من قلة عدد الحيوانات المنوية أو عدم وجود حيوانات منوية ، ولكن التعامل مع غير المتخصصين يعتبر واحد من أهم مخاطر التلقيح المجهري ، حيث أن عدم الإلمام التام بكيفية تحفيز المبايض على إنتاج البويضات قد يؤدي إلى زيادة تحفيز للمبيض عن الطبيعي و اختلال في نسب بعض العناصر بالجسم ووجود ماء على الرئة و أحيانا قد تؤدي إلى الوفاة ، وقد تحدث زيادة في تحفيز المبايض في السيدات بنسبة من 3 إلى 4 % . 

 

و من المخاطر الأخرى حدوث الإجهاض بعد الحمل بالتلقيح المجهري و الذي قد تصل نسبته من 10 إلى 16% ، وهي نسبة تزيد عن النسبة العادية للإجهاض ، كما أن الحمل خارج الرحم قد تصل نسبته من 2 إلى 4 % ، وهي نسبة تزيد قليلا عن نسبة حدوثه مع الحمل التلقائي ، كما أن تعدد الأجنة تعتبر من أهم مشاكل التلقيح المجهري حيث أن نسبة 15-25%  يحدث فيها حمل متعدد الأجنة ، ومن أهم مشاكل تعدد الأجنة حدوث مضاعفات لهذا الحمل مثل تسمم الحمل ونزيف ما بعد الولادة و الولادات المبكرة ، ولتقليل نسبة حدوث هذه المشكلة - من الأفضل تقليل عدد الأجنة المرجعة إلى الرحم بعد التلقيح ، ولذلك صدرت بعض التوجيهات العالمية في بعض البلدان كفرنسا و إنجلترا وأستراليا بتقليص عدد الأجنة التي يتم نقلها إلى الرحم بعد التلقيح ، وذلك لتجنب المضاعفات قدر المستطاع .

 

ومن المضاعفات المحتملة أيضا في التلقيح المجهري وجود اضطرابات جينية في الأجنة والأطفال بعد الولادة ، وعلى الرغم من أن كثيراً من الدراسات أثبتت أن نسبة حدوث الأمراض الوراثية المحتملة مع التلقيح المجهري لم تتعدى النسب الموجودة مع الحمل بالطرق المعتادة - إلا أن البعض مازال يعتقد أن السبب في ذلك هو التلقيح المجهري ، ولكن السبب الرئيسي لذلك هو في الغالب وجود إضطرابات أو اختلال بالكروموسومات في الزوج ، وبالتالي وجود عيوب في الحيوانات المنوية المستخدمة في التلقيح ، وبذلك يولد طفل يحمل هذه الاضطرابات الكروموسومية و العيوب الجينية الموروثة عن الأب ، ولذا ظهرت الحاجة لإستخدام التقنيات الحديثة لدراسة الكروموسومات من خلايا الجنين قبل إرجاعه إلى رحم الأم ، والتيقن من أن الجنين خالي من بعض الأمراض الوراثية أو العيوب الخلقية المحتملة .