August 2023 , 09

حالات انعدام الحيامن من السائل المنوي: مشكلة لها علاج

د. شريف غازي

 

مقومات الحياة الزوجية السعيدة مختلفة ومتعددة ، ولعل من أهم عوامل استقرار الأسرة هي الأبناء ، فالأبناء هم مصدر السعادة للزوجين ومن أهم مقومات الاستقرار العائلي ، ويعاني بعض الرجال من تأخر الإنجاب - الأمر الذي يؤدي إلى توتر و قلق شديدين لدى الزوجين ، وخاصة إذا ظهرت هذه المشكلة منذ بداية الزواج ، فبعض الرجال قد يعانون من قلة في عدد الحيامن بالسائل المنوي ، وآخرون يعانون من ضعف في حركة هذه الحيامن أو في زيادة نسبة الحيامن المشوهة ، ولكن القليل من الرجال يعانون من مشاكل أكبر من تلك ، وهي غياب الحيامن أو إنعدامها من السائل المنوي . 

 

وقبل عشرين عاما من الآن - كان هؤلاء المرضى يعتبرون في عداد الحالات الميئوس من شفائها - إلا في بعض الحالات النادرة لإنسداد البربخ أو الوعاء الناقل والتي يمكن إصلاحها جراحيا ، أما السواد الأعظم في هذه الحالات فكانت المشكلة تتمثل في كسل شديد بوظائف الخصية ، الأمر الذي تفشل فيه هذه الغدة الهامة في إنتاج النطاف الكافية للظهور بالسائل المنوي ، وبالتالي إلى الخصوبة المطلوبة للرجل .

 

وعليه .. فإن الحيامن هي الأساس ولا يمكن تخصيب بويضات الزوجة بدونها ، وأثبتت الدراسات التي أجريت في أواخر القرن الماضي - أن حوالي 50% من الرجال يمكن استخلاص الحيامن من الخصية لديهم جراحياً ، وتنوعت الطرق المستخدمة لاستخلاص هذه الحيامن ، حيث يمكن استخلاصها عن طريق الإبرة الدقيقة وهي مناسبة و فعالة جدا في حالات الكسل البسيط وحالات انسداد الوعاء الناقل ، كما يمكن إستخدام إبر ذات قطر أكبر لحالات الكسل الشديد .. ولكن عيب على هذه الطريقة أنها قد تصيب بعض الأجزاء الداخلية بكيس الصفن ، وهي تعتمد في المقام الأول على خبرة الطبيب وعدد الحالات التي أجراها .

 

ويمكن إستخلاص النطاف أيضا عن طريق الجراحة التقليدية المفتوحة - حيث يقوم الطبيب بعمل فتحة صغيرة بجدار الخصية واستئصال جزء من الأنسجة أصغر من حبة الأرز ، ووضع هذا النسيج في طبق خاص لتفتيته بالمختبر وإستخلاص النطاف من داخل هذا النسيج ، كما يمكن أيضا عمل هذه الجراحة تحت مخدر عام أو مخدر موضعي ، وهي لا تستغرق أكثر من نصف ساعة ، ويخرج بعدها المريض من المستشفى في نفس اليوم و يزاول عمله في اليوم التالي .

 

وتأتي الصعوبة دائما في التنبؤ بمكان أو الناحية التي يجب على الطبيب أن يأخذ منها الخزعات ، ويمكن عن طريق جهاز الموجات الصوتية ذو التردد العالي قياس حجم الخصية بدقة شديدة ، وعادة ما يبدأ الجراح بالخصية الأكبر حجما ، كما يمكن عن طريق جهاز الدوبلر الملون معرفة الدورة الدموية الداخلية للخصية ، والتنبؤ بالمكان التي يمكن أن تكون فيه البؤرة الخاصة بإنتاج الحيامن داخل الخصية ، ويمكن للجراح في هذه الحالة الوصول لهذه البؤرة بسهولة ، مع خفض عدد الخزعات المأخوذة من الخصية وبالتالي يقلل المضاعفات الجانبية .

 

و في خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت تقنية استخلاص الحيامن من الخصية عن طريق إستخدام الميكروسكوب الجراحي ، حيث يمكن عن طريق الإستعانة بهذا المجهر الجراحي داخل غرفة العمليات تكبير الغشاء الخارجي للخصية ، مما يؤدي إلى تجنب إصابة الأوعية الدموية الداخلية للخصية ، والتي يمكن أن تصاب عن طريق الوخز بالإبر أو الجراحة التقليدية ، كما يمكن تكبير نسيج الخصية تحت المجهر - الأمر الذي يتيح للجراح التعرف على الأنابيب ذات القطر المتسع داخل النسيج ، وبالتالي زيادة فرص الحصول على الحيامن ، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هذه الطريقة تزيد من نسبة إستخلاص من 47% إلى 62% ، ليس هذا فحسب - بل إنها تمكن الجراح من إستئصال جزء ضئيل جدا من الأنسجة - إذا ما قورن بالخزعة العادية ، في نسيج الخصية المستأصل بهذه الطريقة ، ولا يتجاوز 10 مجم ، أما النسيج المستأصل بالطريقة التقليدية يتراوح بين 40-70 مجم ، وبناءاً عليه - فإن هذه الجراحة تعتبر أكثر آماناً إلى حد كبير ، وهي أيضا تساعد الأطباء بمختبر الأجنة في الوصول بسهولة إلى النطاف - حيث أنها تقلل من خلايا الدم الحمراء والخلايا المنوية مثل أرومة الحيامن وخلايا السرتولي مما يسهل الكشف عن الحيامن بالمختبر .

 

 

وأخيراً - فإن عمليات الحقن المجهري بإستخدام حيامن الخصية - تعطي نتائج طيبة جدا و نسبة الحمل تقارب بل و تتعدى في بعض الأحيان نسبة الحمل بإستخدام حيامن من السائل المنوي ، مما فتح باب الأمل من جديد عند هؤلاء المرضى و نتمنى الشفاء و السلامة لكل مريض .