يناير ١٩٩٠, ٠٦

ريادة سعودية وعالمية في مجال أطفال الأنابيب

ثاني ولادة أربعة توائم في خلال عامين

دكتور سمير عباس

إذا تحدثنا عن أطفال الأنابيب وعلاج العقم في العالم قلنا ان لويز براون هي أول طفلة في العالم أجمع تولد بهذه الطريقة ، كذلك نقول ان هذا الحمل جاء نتيجة الأبحاث المستمرة في هذا المجال التي نجحت في عام 1978م على يد الطبيب البريطاني الراحل باتريك ستبتو ، والمملكة العربيةالسعودية كانت سابقة في هذا المجال وكل العوامل كانت متوافرة لدى المرضى السعوديين الذين عانوا سنوات طويلة من عدم الإنجاب تلقوا هذا النبأ بلهفة ، يضاف إلى ذلك عدم الثقة في الطبيب الأجنبي كذلك وجدت الكوادر السعودية المؤهلة لهذا التخصص الدقيق والصعب فقد أرسلت المملكة اعداداً كبيرة من الطلبة السعوديين للدراسة في الخارج في كل المجالات والتخصصات واحدها الطب حيث تفوق الأطباء السعوديون في كل المجالات وحين عادوا كانوا مع زملائهم في كافة التخصصات خير دليل على وعي القيادة السعودية وحسن تخطيطها للمستقبل خاصة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الذي كان وزيراً للمعارف وقتها.

تقدم أحد هؤلاء الأطباء السعوديين إلى المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وهو أعلى سلطة دينية اسلامية ببحث في هذا المجال لفتح أول وحدة لعلاج مرض العقم بهذه الطريقة ، وكانت موافقة المجمع الفقهي الإسلامي بتاريخ 19/1/1985م حيث أجاز أغلب طرق العلاج إلا أنه استبعد وسيلة استعمال نطفة أو بويضة لاتخص الزوجين لما لها من أثر كبير في خلط الانساب ، وكان وجود طبيب سعودي مسلم ذي مؤهل عال خلف المشروع عامل اطمئنان على سلامة التنفيذ وخشية الله في كل ما يفعل ، الدكتور سمير عباس هو رائد أطفال الأنابيب و ولادة أول طفل بهذه الطريقة ليس في المملكة العربية السعودية فحسب بل في العالم العربي والإسلامي مؤكداً الريادة السعودية في هذا المجال .

افتتح الدكتور سمير عباس أول مركز لأطفال الأنابيب بتاريخ 26/2/85 وتمت ولادة أول طفل سمي (سعد) بهذه الطريقة بتاريخ أبريل 1986

الدكتور سمير عباس من مواليد عروس البحر الأحمر حصل على دراسته الثانوية في مدرسة الشاطئ بجدة ثم حصل على بكالوريوس الطب بتاريخ 1972م وماجستير جراحة النساء والتوليد عام 1975م من جامعة الأزهر بمصر وحصل بعدها على شهادة الزمالة البريطانية عام 1981م من بريطانيا وشهادة الدكتوراه ثم عمل استاذاً بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة حتى استقال عام 1989م للتفرغ للعمل الطبي الخاص شارك خلالها في تخريج آلاف طبيب وطبيبة سعوديين على الأقل حصل خلالها على عضوية الجمعية الأمريكية لأخصائي العقم والجمعية الأمريكي اخصائي جراحة المناظير والجمعية البريطانية لاخصائي العقم والجمعية السعودية لاخصائي النساء و التوليد ، في خلال هذه الفترة قدم الكثير من الأبحاث في هذا المجال في مجالات طبية عديدة محلياً وعالمياً كذلك قدم ابحاثاً في مؤتمرات عالمية كثيرة كانت شاهداً على التطور السعودي في هذا المجال وريادته فيه وانه حاضر في جامعات كثيرة حول العالم ثم منحته احدى الولايات الامريكية شهادة المواطنة الفخرية .

شهد مجال العقم وأطفال الأنابيب تقدماً كبيراً في خلال هذه السنوات القليلة منذ ولادة أول طفل وكانت هذه التطورات في جميع المجالات حيث ارتفعت نسبة نجاح حدوث حمل إلى حوالي 30 – 35 بالمئة حسب حالة المريض وتم استحداث عقاقير حديثة لعلاج حالات عقم كانت تقريباً في حكم غير القابلة للعلاج في كل من عقم الرجل والمرأة ، وتم اكتشاف مواد كيميائية مهمتها تنشيط الحيوانات المنوية للرجل لجعله قادراً بشكل أفضل على تخصيب البويضة وامكن استحداث وسائل لعلاج عقم المرأة والتي كانت اسبابها خاصة بالنسبة للكثيرين واصبحت هناك العديد من الوسائل مثل اطفال الانابيب والجفت والسفت والتيت وغيرها كذلك تم استحداث عمليات لعقم الرجل الناشئ من بعض التشوهات الخلقية في جهازه التناسلي ، واصبح علاج عقم الرجل اخيراً ممكناً في أغلب الأحيان.

وسجلت للدكتور سمير عباس ولادة أول طفل وتوأمين من اطفال الانابيب المملكة والشرق الأوسط كذلك سجلت له ولادة اربعة توائم اطفال انابيب عام 1988م وتعتبر تاسع حالة في العالم ثم مرة ثانية لأول شهرين وفي المرتين كانت المريضتان سعوديتان وقد عانت كلاهما من عقم دام لفترات طويلة وعولجت في أماكن مختلفة داخل وخارج المملكة وارادت العناية الالهية ان تكون نهاية رحلة المتاعب واليأس على يديه ، وكانت حالة اربع توائم الأولى عن طريق اطفال الانابيب اما الثانية فقد كانت عن طريق عملية الجفت ، رزقت السيدة الأولى بثلاثة بنين وابنة ورزقت الثانية بتوأمين من الأولاد وتوأمين من البنات رغم حدوث الولادة مبكرة كثيراً عن وقتها.

ومما لاشك فيه أن حدوث الحمل عن طريق اطفال الانابيب هي عملية دقيقة للغاية إلا أن الإلمام بها والخبرة الكبيرة في هذا المجال تأتي من عمل دائم لا يكل وأبحاثه مستمرة وقد صادف نجاحاً كبيراً في حالات حدوث الحمل الثنائي والثلاثي للتوائم وكذلك الرباعي وهذا يحدث للمرة الأولى في خلال سنة ونصف مع الدكتور عباس حيث تمت ولادة أربعة توائم لسيدتين سعوديتين ورغم النجاح الكبير الا ان السبب الاول التوفيق هو إرادة الله ثم دعاء الوالدين ثم يأتي بعد ذلك البحث والخبرة.

وعن تعدد مراكز اطفال الانابيب بالعالم والمملكة قال الدكتور عباس يعتبرها ظاهرة جيدة ومفيدة إلى درجة معينة حيث ان زيادة المراكز تؤدي إلى منافسة في تحسين وسائل العلاج واعطاء اسعار مناسبة للمرضى إلا أن كثرتها اكثر من اللازم تؤدي الى ظهور مراكز كل همها جمع المال او وجود مراكز يديرها أطباء غير مؤهلين علمياً مما ينعكس أثره على ارتفاع نسبة فشل العملية ، ومن المعروف ان اي مركز يفتتح يحتاج في احسن الاحوال الى سنة ونصف قبل ولادة اي اطفال انابيب ، وقد يدير المركز اطباء غير مسلمين أو غير ثقاة مما يؤثر في إقبال المرضى خوفاً من اختلاط الانساب بخطأ مقصود أو غير مقصود ويقول الدكتور عباس أن له اطفالاً في كل مدينة سعودية وكل بلد عربي من اليمن جنوباً الى سوريا شمالاً وفي الخليج شرق وحتى المغرب غرباً ، ورغم قرب كثير من هذه الدول الى المراكز الاوروبية الا ان كثيراً من المرضى يفضلون الحضور للمملكة للعلاج لعلمهم بمدى التقدم الطبي الذي وصلت إليه المملكة في ظل خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة التي لم تأل جهداً لتوفير الخدمات الطبية العالية المستوى في متناول كل مواطن مما وفر عليهم عناء السفر للخارج.

وعن عقم الرجل يقول الدكتور سمير عباس أن له اسباباً كثيرة مثل تشوهات الجهاز التناسلي او بسبب اصابات عصبية او نفسية او لتعاطي العقاقير المخدرة أو بسبب ضعف حركة النطفة او قلة عددها أو بسبب نشاط الجهاز المناعي المضطرب أما الفحوصات المتوفرة فهناك فحص اجسام المناعة وفحص النطفة بالميكروسكوب الالكتروني مما يساعد على تشخيص كثير من أمراض النطفة ويساعد بالتالي في علاجها وكذلك هناك اجهزة تبريد النطفة التي يمكن حفظ النطفة بها لفترات طويلة حيث يتم أخذها من المرضى الذين يعانون من نقص في عدد أو حركة النطفة ومن ثم يتم استعمالها دفعة واحدة بنفس التركيز للشخص العادي مما يعطي المريضة فرصة مشابهة للأشخاص الطبيعيين ثم هناك فحص قدرة الحيوان المنوي على الإخصاب وخلافه.

وبالنسبة للحديث في هذا المجال بدأت منذ خمس سنوات محاولات لحقن الحيوان المنوي الضعيف داخل البويضة وهي بالطبع عملية دقيقة وصعبة حيث يعمل شق في جدار البويضة مما يسمح للحيوانات المنوية الضعيفة بالمرور خلاله ورغم أن نسبة نجاحها في العالم كله محدودة حيث ولد ستة اطفال فقط الا ان نسبة النجاح سوف ترتفع مثل كل المحاولات السابقة و ستصبح في القريب العاجل وسيلة اكيدة وعادية مثل بقية الوسائل ، أما عن مدى طول العلاج في مراحل اطفال الانابيب يقول الدكتور سمير عباس أن بقاء المريضة بالمستشفى أصبح بسيطاً للغاية فالمريضة تحضر للمستشفى مرتين الأولى تبقى فيها نصف يوم ونصف يوم آخر كذلك حيث يتم سحب البويضات بالاشعة الصوتية عن طريق المهبل وبالتالي لا حاجة لعمل اي فتحات بالبطن ولا تحتاج لعمل مخدر عمومي.

وعن الجديد في النساء والتوليد يقول الدكتور سمير عباس انه قد تم الاستغناء عن عمل اغلب العمليات النسائية عن طريق فتح البطن و أصبحت تتم كلها عن طريق منظار البطن الخاص بالنسبة لعمليات اكياس المبايض وفك الالتصاقات وربط قنوات فالوب وعلاج الحمل خارج الرحم بقناة فالوب مما يعني ان المريضة لا تبقى بالمستشفى إلا ساعات محدودة مما يوفر عليها الوقت والمال والتشوهات التي تنتج عن مكان العمليات وهذه الطريقة يطبقها الدكتور سمير عباس منذ 4 سنوات وقد تم نشر أبحاثه في هذا المجال وخاصة علاج الاكياس الدموية والحمل خارج الرحم في المؤتمر الأوروبي الثاني عشر منذ عدة شهور.

author avatar
administrator